سورة القصص - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)} [القصص: 28/ 18- 21].
لقد استبدّ الخوف والقلق في نفس موسى عليه السّلام، فأصبح في المدينة: عين شمس، دائم الخوف في كل أوقاته، فصار يترقّب مباغتا يقتله، ويتحسس ويتألم من الناس بسبب القتل، فمرّ وهو بهذه الحالة القلقة في طريق متخفّيا مستترا، فإذا ذلك الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس على المصري، يطلب منه العون والمساعدة على مصري آخر، فقال له موسى معاتبا ومؤنّبا: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} أي ظاهر الغواية، كثير الفساد والشّر والضّلال.
ولما أراد موسى زجر عدوّهما القبطي: عدو الإسرائيلي وعدوه، قال له مستنكرا مستهجنا لعلمه بحادثة القتل بالأمس: أتريد الإقدام على قتلي، كما قتلت نفسا البارحة، ما تريد يا موسى إلا أن تكون من الجبابرة، والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق؟! فلذلك جعله جبّارا ونفى عنه الصلاح، أي إنك لا تريد إلا أن تكون سفّاحا بطّاشا، كثير الأذى في الأرض، دون أن تتدبّر في عواقب الأمور، ولا تريد أن تكون من أهل الصلاح والإصلاح الذين يفصلون في خصومات الناس بالحسنى والحكمة، والموضوعية، والرّوية، حتى ولو كان أحد الخصوم من ذوي القربى أو العشيرة.
فأنفذ فرعون إلى موسى من يطلبه من جنده، ويأتي به للقتل، فخرج موسى إلى الطريق الأعظم، أي الشارع العام، فجاءه رجل، يسرع في مشيه، يقال: إنه مؤمن آل فرعون، ويقال: إنه غيره، في إحدى الطرق الصغيرة، المتشعبة من الطرق الكبيرة، ليصل بسرعة إلى موسى عليه السّلام، وليخفي أمره، حتى لا يعرف أحد أنه يريد إبلاغ موسى بالخبر، وقد جاء هذا الرجل الناصح من أبعد مكان في المدينة، فقال: يا موسى، إن فرعون وملأه: أشراف دولته وكبار حاشيته، يتآمرون ويتشاورون في أمرك، وتدبير مكيدة أو مؤامرة قتلك، فاخرج بسرعة من البلد، إني لك ناصح أمين.
فخرج موسى عليه السّلام من مدينة فرعون خائفا على نفسه، يتلفّت ويترقّب متابعة أحد له، وأفلت من القوم، فلم يجدوه، وخرج في حال فزعه إلى طريق مدين، وهي مدينة قوم شعيب عليه السّلام، وكان موسى عليه السّلام لا يعرف ذلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فسار واثقا بالله تعالى، ومتوكّلا عليه، وقال في هذه المحنة العصيبة: يا ربّ، نجني من هؤلاء القوم الظالمين: فرعون وملئه، واحمني من شرّهم وسوئهم، فاستجاب اللّه دعاءه ونجاه ووصل إلى مدين آمنا على نفسه، بفضل اللّه وإحسانه، كما جاء في آية أخرى: {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى} [طه: 20/ 40].
وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام، وكان ملك مدين لغير فرعون، قال السّدّي ومقاتل: روي أن اللّه تعالى بعث إلى موسى جبريل عليه السّلام، وقيل: ملكا غيره، فسدّده إلى الطريق. وكل ذلك رعاية وعناية، وحماية وعصمة من اللّه لموسى، ليعدّه لتحمل عبء الرسالة، ومنصب النبوة، وأخذ التوراة.
زواج موسى عليه السلام:
بدأت مرحلة جديدة في حياة موسى عليه السّلام، بعد توجّهه إلى أرض مدين بفلسطين، تميّزت بالاستقرار لمدة عشر سنوات، حين تزوج بابنة شعيب عليه السّلام، ورعيه غنمه تلك المدة، وبعد انتهائها وعزمه العودة إلى مصر، حدثت النعمة الكبرى على موسى وهي إيتاؤه الرّسالة والنّبوة وتلقّي التوراة. وكان هذا الزواج لما تمتع به موسى عليه السلام من قوة الرّجولة، وعظمة الأمانة، وهاتان صفتان هما مطمح المرأة وأملها في الرجل الذي تريده زوجا لها، وليس هناك أجمل ولا أجلى مما صوره القرآن الكريم من قصة هذا الزواج المبارك، قال اللّه تعالى:


{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28)} [القصص: 28/ 22- 28].
حينما اتّجه موسى عليه السّلام جهة مدين، تاركا فرعون وبلاده، ومن أجل معرفته الطريق، قال داعيا ربّه: ربّي اهدني الطريق الأقوم، فامتن اللّه عليه، وهداه إلى السبيل الصحيح، المؤدي به إلى بلاد مدين، وكان بحكم العادة يسأل الناس عن الطريق، فيدلّونه.
ومدين: شمال خليج العقبة في فلسطين. وسبب هذا التّوجه: وجود قرابة بين موسى وأهل مدين، فهم من ولد مدين بن إبراهيم عليه السلام، وموسى من بني إسرائيل، والإسرائيليون من أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السّلام.
وفصول قصة مدين أولها: أن موسى عليه السّلام لما وصل إلى مدين، وورد ماءها، وجد رعاة الماشية يسقون أنعامهم ومواشيهم من بئر فيها، ووجد جماعة من الناس حولهم، ووجد في مكان ناء امرأتين تمنعان غنمهما من ورود الماء مع الرّعاة الآخرين، لئلا تختلط مع أغنام غيرهما، فسألهما: لماذا لا تسقيان، ما شأنكما وخبركما، لا تردان الماء مع هؤلاء؟ قالتا: لا نسقي غنمنا إلا بعد أن ينصرف الرّعاة (يصدر) ويبتعدوا من السّقي، وأبونا شيخ كبير هرم، لا يستطيع الرّعي والسّقي بنفسه.
فبادر موسى عليه السّلام لسقي غنم هاتين المرأتين، من بئر مغطاة بصخرة، لا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، ثم أعادها إلى موضعها على البئر، ثم انزوى إلى ظلّ شجرة للراحة، مناجيا ربّه قائلا: إنّي لمحتاج إلى الخير من ربّي، وهو الطّعام، لدفع غائلة الجوع.
وبعد رجوع المرأتين سريعا بالغنم إلى أبيهما شعيب عليه السلام، سألهما عن الخبر والسبب، فقصّتا عليه ما فعل موسى عليه السّلام، فبحث إحداهما إليه، لتدعوه إلى أبيها، فجاءت إحداهما تمشي مستحيية مشي الحرائر الأباة، فقالت له في أدب وحزم: إن أبي يطلبك ليكافئك على إحسانك لنا. فلما جاء موسى إلى شعيب الشيخ، وقصّ عليه قصّته مع فرعون وقومه، قال له: لا تخف واطمئن، لقد نجوت من سطوة القوم الظالمين.
فقالت إحدى ابنتي الشيخ الكبير: يا أبت استأجره لرعي هذه الغنم، فإن خير مستأجر لها هو، لأنه الرجل الأبي القوي، المؤتمن الذي لا يخون.
قال شعيب: يا موسى، إني أريد مصاهرتك وتزويجك إحدى هاتين البنتين، فاختر ما تشاء، على أن يكون المهر خدمة من المنافع: وهي رعاية غنمي ثماني سنين، فإن تبرعت بزيادة سنتين، فهو إليك، وما أريد إيقاعك في شيء من المشقة والحرج، وستجدني إن شاء اللّه من الصالحين، المحسنين المعاملة، ولين الكلام أو الخطاب، والفعل.
فقال موسى لعمّه الصّهر: الأمر على ما قلت في اختيار إحدى البنتين، والوفاء بإحدى المدّتين: ثماني أو عشر سنين، ولا مجاوزة للحدّ، ولا حرج من اختيار إحدى المدّتين، أو لا تبعة علي من قول ولا فعل، والاتّفاق موثق بيني وبينك في ثماني سنوات، واللّه على ما نقول شاهد قائم بالأمور، وبعد إتمام عقد الزواج أمر شعيب موسى أن يسير إلى بيت فيه عصي، فيأخذ منه عصا لرعيه الغنم في مدين.
إيتاء موسى عليه السلام النّبوة في جبل الطّور:
أتم موسى عليه السّلام أكمل المدّتين عشر سنوات، في رعي غنم شعيب عليه السّلام في مدين، ثم عزم على العودة إلى مصر، لزيارة أقاربه، مصحوبا بزوجته، ولكنه في طريق العودة، حدث التحول الجديد الأعظم في حياته، حين كلّمه ربّه في جبل الطّور، وآتاه اللّه النّبوة والتّوراة، وجعله رسولا إلى فرعون وقومه، بني إسرائيل، وكانت معجزته الدّالة على نبوّته انقلاب العصا حيّة عظيمة، وإضاءة يده كالشمس المشرقة، وكلفه اللّه بتبليغ رسالته إلى فرعون وملئه: القوم الفاسقين، وتلك مهمة شاقّة وعسيرة.
قال اللّه تعالى واصفا هذه المرحلة الجديدة في حياة موسى كليم اللّه:


{فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (32)} [القصص: 28/ 29- 32].
لما أتم موسى عليه السلام أكمل المدّتين برعي غنم شعيب عليه السّلام عشر سنين، أراد أن يسير بأهله إلى مصر وقومه، وقد أحسّ لا محالة بالترشيح للنّبوة، وكان رجلا غيورا لا يصحب الرفاق، فسار في ليلة مظلمة باردة، فأخطأ الطريق، واشتدّ عليه وعلى زوجته البرد، فبينا هو كذلك إذ رأى نارا، وكان ذلك نورا، من نور اللّه تعالى قد التبس بشجرة، من العلّيق أو الزعرور أو السمرة، فقال لأهله:
ابقوا في مكانكم أو أقيموا، إني رأيت نارا، لعلي آتيكم منها بخبر عن الطريق، أين هو؟ أو بقطعة من النار في عود كبيرة لا لهب لها، أي إنها جمرة، لعلكم تستدفئون من البرد.
فلما أتى موسى ذلك الضوء الذي رآه، وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة، نبّئ بالنّبوة، حيث نودي في مكان النور من بعيد، من جانب الوادي التي هي عن يمين موسى من ناحية الغرب، أو أن الوادي وصف باليمن، في البقعة المباركة، وابتداء النداء من جهة الشجرة: {أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} وهذا تعريف بالمنادي المتكلم، وهو اللّه ربّ جميع العوالم من الإنس والجنّ.
ونودي بأن ألق عصاك التي في يدك، فألقاها فصارت حيّة عظيمة تسعى، فتحقق أن الذي يكلمه هو اللّه تعالى، فلما رأى العصا تتحرك، كأنها جانّ من الحيّات (وهي صغير الحيّات) فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ، ولّى موسى هاربا، ولم يرجع ولم يلتفت إلى ما وراءه، خوفا منها، بحكم الطبيعة البشرية، فقال اللّه تعالى له: يا موسى ارجع إلى مكانك أو مقامك الأول، ولا تخف من هذه الحية، فأنت آمن من كل سوء. وهذا من تأمين اللّه تعالى إياه، ثم أمره بأن يدخل يده في جيبه، وهو فتحة الجبّة من حيث يخرج رأس الإنسان. ومعنى {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أدخل يدك في فتحة قميصك العليا من جهة الرأس، ثم أخرجها، تخرج بيضاء تتلألأ، ولها شعاع، كأنها قطعة قمر {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي من غير عيب ولا مرض ولا برص فيها.
وزيادة في التأمين، وإزالة لكثرة الخوف والفزع الذي ألمّ بموسى، وإعدادا له لتحمّل عبء الرسالة بعزم وحزم وهمة عالية، أمره اللّه بوضع يده على صدره، لإذهاب الخوف كما هي العادة المتّبعة، فهاتان آيتان أو معجزتان: وهما إلقاء العصا وانقلابها حية تسعى، وإدخال يدك في جيبك، فتخرج بيضاء مشعّة من غير سوء ولا مرض، هما دائما دليلان قاطعان واضحان من ربّك، دالان على قدرة اللّه وصحّة نبوّتك، يؤيّد انك في رسالتك إلى فرعون وقومه من الأكابر والرؤساء والأتباع، إنهم كانوا قوما خارجين عن حدود طاعة الله، مخالفين لأمره ودينه، فكانوا بأمسّ الحاجة إلى إرسالك إليهم، مؤيّدا بهاتين المعجزتين.
وكانت هذه المكالمة التي أهّلت موسى عليه السلام لوصفه بأنه كليم اللّه هي بداية التكليف بالنّبوة والرسالة الإلهية، في أشقّ مهمة وأعسرها، وهي محاولة هداية فرعون المتألّه الجبّار، وإرشاده إلى الإقرار بوجود الإله الحقّ الواحد الذي لا إله غيره ولا شريك له.
نبوّة هارون وتكذيب فرعون:
حينما أصبح موسى عليه السلام رسولا من عند ربّه إلى فرعون وملئه، أحسّ بمخاوف أخرى، ومحاذير قديمة، بمفاجأته بأنه قتل في شبابه قبطيّا من قوم فرعون، فطلب من ربّه تأييده وإعانته بجعل أخيه هارون نبيّا ورسولا معه، يؤازره ويصدّقه خشية تكذيبه، فأجاب اللّه تعالى طلبه، فسار الاثنان في مظلة الرعاية والحماية الإلهية إلى فرعون وملئه، وكانت النتيجة متوقعة، حيث بادر أولئك الفاسقون إلى وصف رسالة موسى وهارون بالسحر المفترى، وبالأسطورة المختلقة، وكان ردّ موسى واضحا بأن الذي أرسله هو اللّه تعالى، وأنه يعتمد على تأييده ونصره، قال اللّه سبحانه واصفا هذا اللقاء المثير:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6